(في نوبة شرف الدِّين ابن شيخ الإسلام عفا الله عنه)
بسم الله الرَّحمن الرَّحيم
لا شكَّ أنَّ عيونكم اكتحلت بهذه العبارة وأنتم تطالعون عددًا من نفائس المخطوطات من مشارق الأرض ومغاربها، هي قيد التملك المشهور للعلامة الشَّيخ شرف الدين يحيى بن زين العابدين بن محي الدين بن ولي الدين بن جمال الدين بن يوسف بن شيخ الإسلام زكريا الأنصاري رحمهم الله تعالى (1028-1092) ترجمته في فوائد الارتحال لتلميذه مصطفى بن فتح الله الحموي: (4/ 282-284)، وقال رحمه الله عن مكتبته:
(وكانت كتب المترجم كثيرةً بحيث إنَّه اجتمع عنده كتب جدِّه شيخ الإسلام ومن بعده من أسلافه؛ على كثرتها، وأضاف إليها مثلها شراءً واستكتابًا، فكان إذا أتاه أحد بكتابٍ -أيِّ كتابٍ للبيع- لا يخرج من بيته ولو بزيادة على ثمن مثله، وكان حريصًا على خطوط العلماء ضنينًا بها. وأخبرني رحمه الله تعالى: أنَّ عنده من طبقات السبكي الكبرى: ثمان عشرة نسخةً، وثمانية وعشرين شرحًا على البخاري، وأربعين تفسيرًا إلى غير ذلك، ولمَّا مات رحمه الله تعالى-: تفرَّقت كتبه شذر مذر، وكانت تباع بالزَّنابيل بعد أن كان رحمه الله يشحُّ بورقةٍ منها، واتَّفق أنَّ شيخنا العلامة إبراهيم الكوراني المدني أراد تحصيل رسالةٍ للحافظ ابن حجر العسقلاني فيما: (علَّق الشَّافعي القول به على الصِّحة) وكانت موجودةً عنده، فعوَّل عليَّ لما توجَّهت إلى مصر في استعارتها منه وكتابتها، فلازمته لأجلها نحو شهرين وهو يعتذر إليَّ ولم يمكن تحصيلها منه -رحمه الله تعالى- إنَّ في ذلك لعبرةً لأولي الأبصار). اهـ كلام الحموي، وقد نقل منه الكتاني في ترجمته من فهرس الفهارس (2/ 1064-1065).
وقد انبرى أحد الإخوة سنة 2009 م لكتابة موضوع في مجلة مركز ودود للمخطوطات يُجمع فيه ما استطاع من هذه المكتبة النَّفيسة التي تفرَّقت على مكتبات العالم -وقد حازت مكتبة فيض الله أفندي التركية منها نصيبًا وافرًا- فبلغ إلى الآن عدد العناوين التي جمعت في الموضوع أربعًا وخمسين (54) عنوانًا، من مكتبات شتى، وقد فتحت اليوم أبوابٌ كانت بالأمس مغلقةً في وجه الباحثين في هذا الجانب، فقد رفعت آلاف المخطوطات في (موقع جامع المخطوطات الإسلامية) للأخ مشرف الشهري من بينها مكتبة فيض الله أفندي التركية التي هي مظنَّة هذا المبحث، وغيرها، فليسع إذًا المهتمون في جمع ما استطاعوا ممَّا تفرَّق من هذه المكتبة العظيمة، فهو بابٌ من أبواب جمع التُّراث والعناية به.
نسأل الله أن يستعملنا في طاعته وأن يرزقنا العلم النَّافع والعمل الصَّالح وصلَّى الله على نبيِّنا محمَّد وعلى آله وصحبه وسلَّم تسليمًا كثيرًا.
كتبه:
أبو أحمد ضياء التَّبِسِّي
13 ذو الحجة 1436
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق