(الإرشاد إلى تأمُّل بعض آيات ربِّ العباد)
(التُّؤدة)
بسم الله الرَّحمن الرَّحيم
وفي كُلِّ شيءٍ له آيةٌ *** تدلُّ على أنَّه واحد
ينبغي للعاقل أن يتدبَّر في تصرُّف الله عزَّ وجلَّ في هذا الكون العظيم،وممَّا ينبغي تدبُّره: خلقه سبحانه وتعالى السَّماوات والأرض في ستة أيَّام مع أنَّه جلَّ في علاه قادرٌ -ولا يُعجزه شيء- خلق كُلِّ ذلك في آن واحدٍ فهو القائل سبحانه وتعالى: {ما خلقكم ولا بعثكم إلاَّ كنفس واحدة}، فممَّا ذُكر في الحكمة من خلق الله السَّماوات والأرضين في ستَّة أيَّام أنَّه تعالى: [ليعلم عباده عدم العجلة وأن يتدبروا الأمور](1)، ولو تدبَّر الإنسان في ما حوله من الكائنات والمخلوقات الجامدة والحيَّة لرأى هذا المبدأ جليًّا واضحًا، ولو رأى ذلك أيضًا في نفسه كما قال تعالى: {وفي أنفسكم أفلا تُبصرون}، فمنشأ الإنسان نُطفة مهينة فعلقة فمضغة فعظام فلحم فروح فولادة بضعف فنمو شيئا فشيئا إلى أن يبلغ أشدَّه، وكُلُّ المخلوقات تمرُّ على نظير هذه الأطوار، فلو تأمَّلت أصغر المخلوقات لرأيت من ذلك عجبًا، ولو أمعنت النَّظر كيف يتعب وينصب النَّمل لبناء بيته ذرَّة تراب فذرَّة تراب إلى أن يصير كالحصن المتكامل بديع المنظر، وأيضًا خليَّة النَّحل فيها نظير هذا بل رُبَّما أكثر من التَّعب والنَّصب حتَّى تكمل وتصير جاهزة لإنتاج العسل، والأمثلة لا تُحصى،
فممَّا يُستخلص من هذا العرض اليسير:
1- لا بُدَّ من التُّؤدة والتَّأنِّي في كُلِّ الأمور -إلاَّ المسارعة في أمور الآخرة- كما قال الله تعالى: {إنَّهم كانوا يُسارعون في الخيرات} الآية؛ وقال صلَّى الله عليه وسلَّم: (التُّؤدة في كُلِّ شيء إلاَّ في أمر الآخرة). (2)
2- الأمور العظيمة والجليلة تقاس بمآلاتها لا ببداياتها فلذلك ليست العبرة بالعمل الصَّالح -في ظاهره- إن كان كثيرا في الكمِّ منقطعا؛ فقد يقابله عمل صالحٌ قليل الكم مُتَّصلا فقد جاء أنَّ: (أحبَّ الأعمال إلى الله أدومها وإن قلَّ)، وقد قيل: (ما كان لله دام واتَّصل؛ وما كان لغيره انقطع وانفصل).
3- لا ينبغي احتقار صغائر الذُّنوب والمعاصي فحالها لمن تدبَّر كحال الجبال الَّتي هي في حقيقة الأمر من الحصى، وقد قيل فديمًا: (لا صغيرة مع إصرار، ولا كبيرة مع استغفار)، وقال الأوَّل: [من مجزوء الكامل]
خلّ الذنوبَ صغيرها *** وكبيرها فهو التُّقى
واصنع كماشٍ فوق أر *** ض الشوك يحذر ما يرى
لا تحقرنّ صغيرة *** إن الجبال من الحصى.
وغير ذلك من العبر والدُّرر الَّتي يُمكن استخلاصها من عجائب آيات الله تعالى الشَّرعية والكونية التي تدلُّ على التُّؤدة وعدم العجلة وأنَّ العبرة بالمآلات.نسأل الله أن يُلهمنا رشدنا ويقينا شرور أنفسنا
اللهم آت نفوسنا تقواها زكِّها أنت خير من زكَّاها أنت وليُّها ومولاها.
اللهمَّ آتنا في الدُّنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النَّار.
==========
(1) من كلام الإمام ابن باز رحمه الله كما في موقعه.
(2) رواه أبو داود (4810) وصحَّحه الألباني في الصَّحيحة (1794).
كتبه: أبو أحمد ضياء التبسي
لسبع خلون من صفر الأصب عام سبعٍ وثلاثين
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق